الشؤون البيئية
بين النفط والغاز والطاقة المتجددة, أي خيار أفضل للبنان؟
في 28/06/2021

تم نشر هذا المقال أساساً في جريدة وموقع النهار على الرابط التالي

بدأ لبنان منذ عام 2010, برسم حلم المستقبل الذي وضعه تحت خانة قطاع النفط والغاز والذي جسده أصحاب السلطة وكأنه خلاص لبنان لحل جميع مشاكله المالية والاقتصادية. لم يكن الشعب على علم أن هذا القطاع هو جزء لا يتجزأ من الحل وأن في حال حصول أي اكتشاف تجاري للنفط أو الغاز, يحتاج لبنان الى ما لا يقل عن ال7 سنوات لبدء عملية الإنتاج وجمع الإيرادات. 

لم يكن أيضاً لبنان من البلدان السبّاقة في دخوله هذا القطاع الذي ظهر عام 1859 ففي عام 2020 وعندما بدأ مرحلة الاستكشاف الأولى في مياهه البحرية وتحديداً في البلوك رقم 4, كانت قد بدأت البلدان الأكثر انتاجاً للنفط والغاز بتعديل خططها المستقبلية للانتقال الى تطوير وانتاج الطاقات المتجددة. تعتبر عملية إنتاج الطاقات المتجددة كعملية صديقة للبيئة وأكثر استدامة من عملية إنتاج النفط والغاز وذلك بسبب توفر مصادرها الغير ناضبة, كالشمس والمياه والهواء وباعتبارها لا تلوث البيئة كعملية استكشاف النفط والغاز.

لذلك, بدأ مؤخرا تداول السؤال الأهم: هل على لبنان متابعة استكشاف النفط والغاز في ظل تطور الطاقة المتجددة؟ 

على الصعيد الدولي, يتوجه اليوم العالم إلى وضع قضايا تغير المناخ في المقدمة حيث تعهدت دول العالم في مؤتمر باريس لعام 2015 بالحد من صافي الانبعاثات لتصل الى الصفر عام 2050 من أجل الحد من ارتفاع درجات الحرارة ب1.5 درجة مئوية وتجنب كارثة مناخية عالمية. من جهة أخرى, انخفاض أسعار الطاقة المتجددة ساهم بتعزيز الاستثمارات في الطاقة البديلة حتى من الدول الكبرى المصدرة للنفط كالمملكة العربية السعودية وقطر, أي دول الخليج. بالإضافة إلى ذلك ,وبحسب كارول عياط, خبيرة في تمويل مشاريع الطاقة والبنى التحتية, من المرجح أن يصل طلب الغاز الطبيعي الى اقصى حدوده في 2025, مع تراجع بنحو 60% بحلول 2050.

تراجع طلب الغاز على مدى السنوات سيؤدي بدوره إلى تراجع أسعار الغاز مما يؤدي إلى تركز إنتاج الغاز لدى الدول التي لديها كلفة إنتاج أقل من غيرها.

بحسب تقرير منظمة الطاقة العالمية, اذا كان العالم يريد تحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ التي وقع عليها لبنان, علينا توقيف جميع الاستثمارات في النفط والغاز بهدف التوجه نحو الطاقة البديلة.

هذه البيئة السريعة التطور, تشكل خطر على غاز الشرق المتوسط لأن عملية تطوير الغاز والوصول الى الأسواق العالمية هي مكلفة والمشاكل الإقليمية في المنطقة تقلل من جاذبية المستثمرين لتطوير مشاريع بالنسبة لشركات النفط العالمية.

 

في ما يخص وضع لبنان, لا يزال هذا السؤال قابل للجدل بين الخبراء بما أن لا يزال لبنان من البلدان الجديدة في دخوله هذا القطاع. 

بحسب هيئة إدارة قطاع البترول اللبنانية, الحل المثالي هو الوصول إلى تزويد الكهرباء  من خلال مزيج من النفط والغاز والطاقة المتجددة وذلك لعدة أسباب أهمها أن عقود الاستكشاف والانتاج بين الدولة اللبنانية والشركات الثلاثة (Total, ENI & Novatek) هي عقود إنتاج تشاركية, أي أن هذه الشركات تأخذ على عاتقها كامل المخاطر المالية والبيئة والتقنية للاستكشاف في المياه اللبنانية, بما فيها عمليات التنقيب والإنتاج في حال تم اكتشاف مكمن من النفط أو الغاز. لذلك, عملية التنقيب عن النفط والغاز لا تجبر الدولة على أخذ مخاطر كما أنها لا تؤثر على خزينة الدولة اللبنانية, وبالتالي بإمكان الدولة الاستثمار في الطاقة المتجددة بالتزامن مع عملية الاستكشاف البحرية. 

من جهة أخرى, أطلقت منظمة الطاقة العالمية 3 سيناريوهات رسمتها كرؤيا لعام 2050, حيث كان السيناريو الأول يتمحور حول خطط الدول في السياسات التي تريد تطبيقها, والذي أظهر أن العالم بحاجة الى 74% من النفط والغاز لتأمين حاجاتها من الطاقة, بينما يحتاج السيناريو الثاني للوصول الى التنمية المستدامة إلى 58% من الهيدروكربون لتأمين الطاقة إلى الدول أجمع. أما في السيناريو الثالث وهو الأمثل من ناحية ال0 انبعاثات التي تطمح الوصول إليها, أظهرت النتائج أن الدول بحاجة الى 20% كمساهمة من النفط والغاز لتأمين الطاقة علماً أن لا تزال التكنولوجيا التي نحن بحاجة إليها غير مطورة كلياً. 

بناءً على هذه النقاط, يكمن السؤال الأهم وهو إن كان سيكون للبنان دور مهم في سوق النفط والغاز علماً أن في حال تم اكتشاف أي مكمن ذو كمية تجارية للغاز في البلوك رقم 9 وتأمين السوق لها, لن يتم استخراج الغاز أو بدء تجميع الإيرادات قبل عام 2029 أي في المرحلة التي يبدأ بها تراجع الطلب على الغاز. 

على الصعيد البيئي, حصّنت الدولة اللبنانية نفسها لتفادي المخاطر البيئية حيث طورت دراسة الأثر البيئي الاستراتيجي التي تهدف الى وضع خطة لتقييم الأثر البيئي لهذا القطاع والحد من مخاطره وتم تطبيق هذه الدراسة خلال عملية التنقيب في البلوك رقم 4 عام 2020 وذلك من خلال الحد الكلي لتسرب مخلفات التنقيب في البحر ( Zero discharge in the sea). هكذا خطوات تساهم في الحد من المخاطر البيئية التي يسببها القطاع إن كان من النفايات التي ينتجها خلال التنقيب والتأثيرات على الحياة البحرية.

 

يبقى هذا القطاع ذو فوائد على الاقتصاد اللّبناني في حال تم إدارته بشكل جيد, فهو يخلق فرصًا استثمارية وفرص عمل ويوفر الغاز لمصانع الكهرباء المحلية. في النهاية يمكن للبنان استخدام العائدات من هذا القطاع للاستثمار في الطاقة المتجددة. 

في الوقت الحالي, هذا القطاع هو إحدى القطاعات في لبنان التي تدار بشكل جيد نوعاً ما وذلك بسبب خبرة بلدان العالم التي تعلمنا منها وبسبب مشاركة منظمات المجتمع المدني في مراقبة ومواكبة القطاع منذ بدايته. ولكن يبقى هناك مع بعض التعديلات والتحسينات التي علينا الانتباه إليها لتجنب الأخطاء التطبيقية وبعض مزارب الفساد.

بهدف تمكين الحوكمة الرشيدة, هناك العديد من الخطوات التي على لبنان اتخاذها وذلك من خلال تعزيز الشفافية والمسائلة في هذا القطاع. لذلك, على لبنان نشر العقود الثانوية, تقييم أداء فريق هيئة إدارة قطاع البترول اللبنانية قبل إعادة تعيينهم كما تأمين استقلالية الهيئة. اضافة الى ذلك, على لبنان أن ينضم الى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية لضمان شفافية اللازمة لاستقطاب المستثمرين إلى هذا القطاع وأخيراً نشر تدقيق مالي كامل بالحساب الذي يحتوي على الإيرادات المتأتية من بيع المسوحات الزلزالية الموجودة في البنك المركزي بإسم وزير الطاقة و مدير منشآت النفط في لبنان.

أضف تعليق