في العقد المنصرم، تعهّدت الحكومات اللبنانيّة المتتابعة على حماية الموارد البتروليّة اللبنانيّة، وعلى إطلاق التنقيب الاستكشافي، وعلى سنّ مجموعة من القوانين التي تهدف إلى تعزيز هذا القطاع الناشئ.
وفي الحقيقة، لم تكن النتائج واعدة. فقد تمّ تبنّي بعض القوانين بعد تأخيرٍ طويل، والبعض الآخر لم يتمّ تبنيّها إطلاقًا، وتمّ تأجيل إطلاق دورة التراخيص الأولى لمدّة عقد تقريبًا.
واليوم، وفي خضمّ الانهيار المالي في لبنان، تتطلّع الحكومة إلى إطلاق دورة التراخيص الثانية. وهدفها أضحى واضحًا: فهو استخدام المواد الهيدروكربونيّة التي قد تستكشف لدفع جزء من الدين العام اللبناني الذي يبلغ ٨٧ مليار دولار، ولتعزيز التصنيف الائتماني الوطني، علّها تستدين بأسعار فائدة على القروض أفضل.
يغيب استخدام هذه الموارد المحتملة بطريقة مستدامة من أجل تنمية البلد في المستقبل من السياسة الحكوميّة منذ دهر.
وإذ يطلق لبنان استكشافه للنفط والغاز قبالة ساحل بيروت، تسترجع المبادرة اللبنانيّة للنط والغاز السياسات الخاصّة بقطاع النفط والغاز المعتمدة من قبل الحكومات المتتالية على فترة تربو عن عقد من الزمن. ومن الجليّ أنّ التعهّدات السياساتيّة الطويلة الأمد قد تأخّرت كثيرًا أو لم تحقّق أبدًا، أمّا السياسات القصيرة الأمد، فقد أضيفت أو تركت بشكل اعتباطي من قبل الحكومات المتعاقبة بدون أي تبرير واضح.
بدأت مسلسل النفط والغاز في العام ٢٠٠٨ ببيان وزاري لحكومة فؤاد السنيورة دُعي فيه إلى "تفعيل" و"تعجيل" الاستكشاف، وكان ذلك قبل حصول أي اكتشاف للغاز بكمّيّات ضخمة في شرقي المتوسّط. وأشار البيان إلى وجوب استعداد لبنان لإطلاق دورة التراخيص الأولى لجذب "الشركات النفطيّة المرموقة والمقتدرة".
وبعد مرور عقد تقريبًا، بدأ لبنان بعمليّة الاستكشاف، بينما استخرجت الدول الأخرى الواقعة في شرقي المتوسّط المواد الهيدروكربونيّة من الاكتشافات الضخمة التي حقّقتها. لماذا؟ بين عامي ٢٠١٣ و٢٠١٧، لم تصادق الحكومة على مرسومين أساسيّين.
أوصت المبادرة اللبنانيّة للنفط والغاز في ذلك الوقت أن يؤدّي البرلمان دوره من خلال إطلاق تحقيق رسمي في هذه المسألة من أجل تبيان سبب هذا التأخير. ولكن، إلى يومنا هذا، لم نحصل على أي جواب.
وفي العام ٢٠٠٩، شكّل سعد الحريري حكومة جديدة، اكتفت ببلورة "قانون للنفط"، وقد حقّقت هذا الهدف في السنة التالية عندما اعتمد مجلس النواب قانون الموارد البتروليّة.
ولكن، بدأ التأخير مجدّدًا بعد فترة وجيزة. فقد أشارت حكومة نجيب ميقاتي إلى إمكانيّة توفّر موارد هيدروكربونيّة في المياه اللبنانيّة نظرًا لمحاولات إسرائيل للاستيلاء على المياه الإقليميّة والأراضي اللبنانيّة.
ودعا البيان السياسي للحكومة إلى ترسيم الحدود الجنوبيّة اللبنانيّة وإلى اعتماد "استراتيجيّة موحّدة" للدفاع عن لبنان بوجه التعدّيات الاسرائيليّة ولحلّ مسألة الحدود البحريّة.
وإلى يومنا هذا، لم ترَ هذه الاستراتيجيّة النور، وقد فشلت ثلاث محاولات أمريكيّة متتالية للوساطة من أجل حلّ مسألة حدود المياه الإقليميّة.
وقد رفع بيان العام ٢٠١١ التوقّعات: تحويل لبنان من دولة مستوردة للموارد الهيدروكربونيّة إلى دولة منتجة بعد العام ٢٠١١.
وقد أشارت حكومة الرئيس ميقاتي إلى أنّها ستطلق دورة التراخيص الأولى، وأنّها ستنجز الإجراءات كافّة لإطلاق التنقيب في المياه البحريّة، ولترسيم حدود المياه الإقليميّة.
عاشت هذه الحكومة ثلاث سنوات، وفي نهايتها، كان لبنان قد تقدّم بالكاد نحو تحقيق أهدافها. وبالتالي، عندما شكّل تمام سلام حكومته في العام ٢٠١٤، دعا البيان الوزاري مجدّدًا إلى تحقيق الأهداف نفسها، أي: إطلاق دورة التراخيص الأولى، وتأكيد حق لبنان بموارده البتروليّة، وضفر الجهود من أجل ترسيم الحدود والمنطقة الاقتصاديّة الخالصة.
هذا يعني أنّ الحكومة فشلت مجدّدًا في المضي قدمًا بدورة التراخيص الأولى، وعلى الجبهات الأخرى، طرأت تغيّرات طفيفة. فحكومة الحريري الثانية في العام ٢٠١٦، عادت الكرّة ونسخت لغة البيانين السابقين "زي ما هيّي": فلبنان يؤكّد على حقّه بالثروة البتروليّة اللبنانيّة وسيسعى إلى ترسيم حدوده، وسيطلق دورة التراخيص الأولى ويصدر المراسيم ذات الصلة. وتجدر الإشارة إلى أنّ المرسومين المتأخّرين جدًّا حول التنقيب في المياه البحريّة صدرا في هذا العهد.
وفي العام ٢٠١٩، دعت حكومة الحريري الثالثة إلى تسريع دورة التراخيص الثانية، ومجدّدًا، إلى المحافظة على حقّ لبنان بموارده الطبيعيّة وإلى ترسيم الحدود الجنوبيّة.
وقد أفاد بيان هذه الحكومة أنّها ستتبنّى مشروع قانون حول التنقيب في الأراضي اللبنانيّة ومشروع قانون حول إنشاء صندوق سيادي كما وأنّها ستصدر المراسيم التنفيذيّة الخاصّة بقانون تعزيز الشفافيّة في قطاع النفط والغاز وهو القانون الذي مارست المبادرة اللبنانيّة للنفط والغاز الضغوطات من أجل تبنّيه.
ولم تحقَّق أي من هذه الأهداف باستثناء إطلاق دورة التراخيص الثانية.
وهنا، نصل إلى البيان الوزاري للحكومة الحاليّة التي يرأسها حسّان دياب، ويحثّ هذا البيان على اتّخاذ الإجراءات اللازمة بوجه محاولات إسرائيل لسرقة ثروة النفط والغاز اللبنانيّة وعلى إيجاد حلّ لمسألة الحدود البحريّة الجنوبيّة.
ويدعو البيان الوزاري للمرّة الأولى إلى تعزيز القوات الجويّة والبحريّة اللبنانيّة من أجل حماية المنطقة الاقتصاديّة الخالصة والمياه الإقليميّة.
ويدعو أيضًا إلى تبنّي قانون إنشاء الصندوق السيادي، كما ويشمل، بدون أي تبرير، دعوة الحكومة السابقة إلى تبنّي قانون الموارد البتروليّة في الأراضي اللبنانيّة.
يدعو أيضًا هذا البيان إلى تجديد ولاية هيئة إدارة قطاع البترول أو إلى تعيير هيئة جديدة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الهيئة الحالية تعمل كراعية لهذا القطاع ضمن إطار قانوني غير واضح منذ سنة تقريبًا وذلك بعد انتهاء ولايتها في كانون الثاني من العام ٢٠١٨.
وبعد مرور أكثر من عقد على التأخيرات، يضيف البيان الوزاري، ولربما عن جدارة، أنّ قطاع النفط والغاز سيكون "قطاع المستقبل".
الصورة من Naharnet