البنى التحتية
أثر انفجار بيروت على طموحات لبنان البترولية

تم نشر هذا المقال في نشرة لوغي الاخبارية لشهر أيلول/ سبتمبر بالشراكة مع منظمة كلنا إرادة

 

كان انفجار 4 آب في مرفأ بيروت بمثابة ضربة أخرى لقطاع النفط والغاز في لبنان. فبالإضافة إلى أن قاعدة إمداد توتال تضررت بشكل كبير في المرفأ، كان الانفجار بمثابة دليل صارخ على سوء الإدارة المؤسسية وضعف القدرات في الدولة اللبنانية.


إن شركة توتال في صدد إنهاء تقريرها حول الأضرار الناتجة عن الانفجار بهدف تقديمه إلى هيئة إدارة قطاع البترول، ولكن من الواضح أن قاعدة الإمداد التي توفر الدعم اللوجستي لنشاط استكشافها البحري قد تضررت بشدة، علمًا أن المعدات وخطوط الأنابيب وغيرها من الإمدادات اللازمة لمواصلة الفترة الاستكشافية الأولى وإكمالها كانت مخزنة في مستودعات قريبة من العنبر المنكوب رقم 12. أما الحد الأدنى للالتزام بالعمل المتفق عليه بين الحكومة اللبنانية والائتلاف بقيادة شركة توتال فيشمل حفر بئرين في موعد أقصاه أيار/مايو 2021 (واحدة في البلوك 4 وأخرى في البلوك 9).

في حين تم الانتهاء من حفر البئر الأولى في البلوك 4 في وقت سابق من هذا العام (نيسان/أبريل 2020)، كان من المتوقع أن يتم حفر البئر الثانية في البلوك 9 قبل أيار / مايو 2021. إلا أن شركة توتال كانت حتى قبل الانفجار تدرس احتمال تأجيل الحفر في البلوك 9، علمًا أن التأثيرات بعيدة المدى لجائحة كوفيد-19 قد أجبرت توتال على تأجيل خطط الاستكشاف في قبرص لمدة عام كامل. وكانت توتال تنظر في ثلاثة خيارات قبل انفجار الرابع من آب / أغسطس:
أ. متابعة ما كان مخططًا له واحترام الالتزامات المتعلقة بإجراء الحفر الاستكشافي في البلوك 9 قبل أيار / مايو 2021.
ب. تأجيل الحفر بسبب جائحة كوفيد-19 (كما حدث في قبرص) نظرًا إلى أن الوباء يعد حدثًا قاهرًا.
ج. الانسحاب من الحد الأدنى من الالتزام بالعمل، والتخلي عن حفر بئر في البلوك 9 ودفع غرامة قدرها 40 مليون دولار.

من الآمن افتراض أن انفجار مرفأ بيروت ألغى للأسف الخيار الأول الذي كان متاحًا لشركة
توتال.

من هذا المنطلق، يبقى أمام شركة توتال إما الخيار الثاني أو الثالث. وهناك ثلاثة عوامل قد تؤثر في المستقبل على قرار الشركة النهائي.
أ. التطورات الاقتصادية العالمية: أثر الوباء على الاقتصاد العالمي وعلى توازن الطلب مقابل العرض. مع الانخفاض الحاد في أسعار النفط في خلال الأشهر الماضية بسبب تجاوز العرض للطلب، وجدت عدة شركات نفط كبرى كتوتال نفسها مضطرة لخفض ميزانية التنقيب الإجمالية بنسبة ٪٢٥ 
ب. الديناميكيات الجيوسياسية: في ظل نوايا أردوغان الواضحة بترسيخ وجود تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، تواجه فرنسا حاليًا حليفها في الناتو لتعزز وجودها في دول شرق البحر المتوسط ​​ بغض النظر عن آفاق الاستكشاف الحالية التابعة لهذه الدول، ولا شك أن لبنان من هذه البلدان. ولكن لا يزال التحدي قائمًا لتحقيق التوازن بين المكاسب الجيوسياسية والاستثمار في البلوكات المجدية تجاريًا.
ج. تحديات لبنان الداخلية: بدأ لبنان منذ عام 2018 بالانزلاق  نحو أزمة اقتصادية ومالية كارثية بسبب عدم وجود الإرادة السياسية لإجراء الإصلاحات اللازمة، وهي إصلاحات هناك حاجة ماسة لمثلها لضمان تنفيذ أنشطة الاستكشاف من دون أي تأخير أو انتكاسات كالتي حصلت في أثناء حفر البئر الأولى (تأخيرات على مستوى التراخيص البيئية). بالإضافة إلى ذلك، تظهر الأزمة السياسية تأثيرها السام من خلال الميل إلى الاستناد إلى التقديرات / التخمينات المبنية على دراسات أكثر منه إلى نتائج حفر فعلية. مع تصوير الأحزاب السياسية الحاكمة قطاع النفط والغاز على أنه أحد إنجازاتها المظفرة، وهو أمر أدى لاحقًا إلى سوء إدارة التوقعات، أعطت الدولة وزنًا أكبر لتقديرات تتكهن بوجود النفط أو الغاز في البحر بدلاً من الاستناد إلى نتائج الحفر الحقيقية التي لم تؤشر حتى هذه اللحظة إلى وجود أي مورد صالح للاستخدام تجاريًا.

من هذا المنطلق، ما الذي يجب أن يفعله لبنان لإعادة عملية تطوير قطاع النفط والغاز إلى مساره الصحيح؟
تراهن الدولة اللبنانية على النفط والغاز كمنقذ لها، لكن الإهمال هو ما دفعها إلى إلحاق الضرر بقطاع النفط والغاز الناشئ. في هذا الإطار، يؤكد النموذج المالي الذي طورته المبادرة اللبنانية للنفط والغاز بالشراكة مع كل من كلنا إرادة ومؤسسة Heinrich Boell الشرق الأوسط و Open Oil  أن النفط والغاز لن يخلصا لبنان. فبحسب النتائج الرئيسة للنموذج المالي، إذا اكتشف لبنان وقام بتطوير حقل نفط وغاز متوسط ​​الحجم صالح للاستخدام تجاريًا مماثل في الحجم لحقل أفروديت القبرصي (4.5 تريليون متر مكعب)، فستبلغ حصة لبنان من الإيرادات حوالى 1.7 مليار دولار في وقتنا الحالي (بافتراض 6 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في خلال عمر المشروع بالقيمة الحقيقية). وبالنظر إلى أن بضعة مليارات من الدولارات موزعة على 30 عامًا لا تذكر مقارنة بحجم التمويل المطلوب لإخراج لبنان من أزمته الاقتصادية، فإن المساهمة الأكثر أهمية لقطاع النفط والغاز في لبنان هي أنه يمكن أن يكون، إذا كان مدفوعًا بشكل جيد، مساهمًا مهمًا في الاقتصاد اللبناني أولاً، وذلك من خلال تخفيف تكلفة واردات الغاز، وثانياً، من خلال تطوير صناعة مرتبطة بالنفط والغاز، وذلك إذا ثبت أن الاحتياطيات كافية وأنها مصدر مهم للعملات الأجنبية. علاوة على ذلك، يظل القطاع نفسه حاسمًا للحفاظ على دور لبنان في الساحة الجيوسياسية في شرق المتوسط.

من هنا، إذا أردنا تطوير قطاع نفط وغاز سليم، فإن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي من خلال الإصلاح المؤسسي.

لدينا ائتلاف مكون من عمالقة النفط توتال وإيني ونوفاتيك، وقد أبدت هذه الشركات اهتمامًا أوليًا بالاستثمار بحذر في لبنان على الرغم من الانهيار الاقتصادي. من جهتها، أطلقت الحكومة اللبنانية جولة التراخيص الثانية في نيسان / أبريل 2019 وتم تأجيلها حتى نهاية عام 2022 بسبب قلة اهتمام المستثمرين. من المهم جدًا الآن أن يساعد لبنان نفسه ويدعم استمرار هذا القطاع من خلال العمل على إجراء تغييرات فورية في نظام الحكم الذي لا يزال يرزح تحت عبء التحاصص الطائفي. وعلى لبنان تشجيع المستثمرين من خلال الحد من عوامل الخطر المرتبطة بفساد النظام، من خلال:
١- العمل على تعزيز المساءلة والرقابة العامة من خلال المصادقة على قوانين وسياسات مثل قانون المشاورات العامة.
٢- ضمان تطبيق قانون الوصول إلى المعلومات في المؤسسات العامة كافة
٣- تنفيذ الكشف عن أصحاب الملكية الانتفاعية في القطاعات كافة لضمان عدم استفادة الأشخاص البارزين سياسيًا من أي صفقات
٤- سن القواعد المالية وإنفاذها بهدف الالتزام بمصداقية بالاستدامة المالية مستقبلا، على سبيل المثال من خلال التصديق على قانون المسؤولية المالية، بما في ذلك المجلس المالي. وبإمكان القواعد المالية التي تقلل من عبء الدين الإجمالي، مثل قواعد الإنفاق أو قواعد الميزانية المتوازنة (الهيكلية)، أن تشكل أساسًا لقانون المسؤولية المالية.
٥- التأكد من بقاء عمليات الحفر في العام المقبل على المسار الصحيح من خلال استكشاف طرق الشحن البديلة التي ستضمن وصول المعدات اللازمة والدعم اللوجستي في الوقت المحدد. إن توتال بحاجة إلى تزويد الحكومة اللبنانية بأسرع وقت ممكن بخطة استكشاف محدثة تلتزم بوضوح بإطار زمني ممكن.

تجدر الإشارة إلى أن الإرادة السياسية الملتزمة بحماية هذا القطاع الناشئ من شأنها وحدها أن تكون العامل المحفز لتحقيق كل هذه الدورة الإصلاحية. هل هذه الإرادة موجودة؟
حتى الآن، لا تزال الإرادة السياسية لسن أبسط الإصلاحات مفقودة في لبنان.

أضف تعليق