أحكام
هل تشكل اتفاقيات توحيد الأطر الخطوة التالية لتسوية نزاعات لبنان الخارجية؟

تم نشر هذا المقال في نشرة لوغي الاخبارية لشهر تشرين الثاني / أكتوبر بالشراكة مع منظمة كلنا إرادة

الناقورة، تشرين الأول / أكتوبر 2020. بجدول أعمال واضح، دخل لبنان وإسرائيل في محادثات غير مباشرة بشأن الحدود البحرية المتنازع عليها: على الصعيد الرسمي، يقتصر هذا الجدول على ترسيم الحدود فقط بما أن اتفاق الإطار الذي اعترف به البلدان يستبعد أي مسألة أخرى. لكن النتيجة النهائية للمفاوضات لا تزال مجهولة، وحتى لو تم التوصل إلى اتفاق ناجح فهذا لا يمكن أن يضمن تسوية كاملة للنزاعات.

وبغض النظر عما يحدث في الناقورة، من المرجح أن تبقى الخزانات المشتركة التي تتخطى الحدود المعترف بها دوليًا نقاط احتكاك، علمًا أنه لم يتأكد بعد بين لبنان وقبرص وإسرائيل وجود موارد عابرة للحدود. لكن مع استمرار عمليات التنقيب عن النفط والغاز، يتوقع الخبراء اكتشاف حقول جديدة في المياه اللبنانية الإسرائيلية المتنازع عليها.

في خلال المحادثات غير المباشرة، استبعدت التصريحات الرسمية أي ذكر لخزانات عابرة للحدود. لكن التنبؤ يبقى صعبًا ليس فقط على مستوى النتيجة بل أيضًا على مستوى المحتوى الدقيق للمناقشات. منى سكرية، مستشارة المخاطر السياسية والشريكة المؤسسة لـ Middle East Strategic Perspectives ، تقول: "الوفدان يضمان مسؤولين في مجال الطاقة، هذا ما نعرفه اليوم، وما عدا ذلك فهو يبقى مجرد تخمينات لأن المفاوضات سرية، وبعض التسريبات الموجودة اليوم لا تكفي لتكوين صورة واضحة عما يحدث في هذه الجولات من المحادثات".

لكن قد يرى لبنان أن مصلحته تقتضي أيضًا أن يعالج هذه القضية. من منظور تقني، يُعتبر النفط والغاز جسمين سائلين يتحركان حول خزان معين. ومن المحتمل أن يتسبب التطوير المنفصل والمستقل للحقول المشتركة من قبل طرفين أو أكثر في إلحاق الضرر بهذا الخزان، ما يؤدي إلى نزاعات قانونية محتملة ويتوجب على البلدين إيجاد آليات تعاون وترتيبات ثنائية جديدة أكثر فعالية من حيث التكلفة.

فضلا عن مناطق التطوير المشترك، تعد اتفاقيات توحيد الأطر إحدى الطرق القانونية التي تم تطويرها للحفاظ على وحدة الرواسب مع احترام الحقوق السيادية للدول المعنية. ويمكن تعريفها على أنها العملية التي بموجبها توقع الأطراف المعنية في حقلين أو أكثر، والتي توجد لها عقود أو تراخيص أو أذون منفصلة، اتفاقية للتطوير المشترك لخزان مشترك، علمًا أن جميع الأطراف المعنية تستفيد من تطوير هكذا خزان كوحدة تشغيلية مفردة. فتجري العمليات كما لو أن الحدود بين مناطق العقد غير موجودة.

يوجد اليوم أكثر من عشرين اتفاقية ثنائية لتوحيد الأطر أو اتفاقية تطوير مشتركة بين دول تتشارك خزانات مشتركة بين مناطق عقد متجاورة. من خلال تحديد مطالبات متزامنة بموارد باطن الأرض، شكلت المعاهدات الثنائية التي تم التوصل إليها في أواخر السبعينيات بين المملكة المتحدة والنرويج بشأن الحقول البحرية في بحر الشمال مثالًا بارزًا على هذه التجارب.

يدرك لبنان جيداً قدرة اتفاقيات توحيد الأطر على توليد إيرادات جديدة واستباق النزاعات. في هذا الإطار، تنص الاتفاقية القبرصية اللبنانية الموقعة في عام 2007، على شرط عدم تطوير الخزانات المشتركة قبل التوصل إلى اتفاق مسبق، وتنص المادة 2 من الاتفاقية على أنه إذا تخطت الموارد الطبيعية الحدود، تكون الأطراف ملزمة بالتعاون للتوصل إلى اتفاق إطاري بشأن "أساليب" "استغلال هذه الموارد". وعلى الرغم من عدم مصادقة مجلس النواب اللبناني على الوثيقة، إلا أنها تضع تفاهمًا مبدئيًا بشأن الحدود البحرية وشروط التنقيب.

بالتوازي مع ذلك، تم طرح اتفاقية توحيد الأطر على طاولة النقاش منذ عام 2013، وقد قررت الأطراف "تسريع الأمور في عام 2019"، بحسب سكرية. إلا أن محادثات توحيد الأطر توقفت ولم يتم التوصل إلى ترتيب نهائي حتى يومنا هذا.

 

إن عمليات التنقيب المستمرة في قبرص للرقعتين 2 و 9، وكلاهما متاخم للمنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة، يجعل احتمال اكتشاف خزانات ممتدة إلى المنطقة البحرية اللبنانية احتمالًا قائمًا. ولكن بدون اتفاقية توحيد أطر تحدد شروط التطوير المشتركة، لا يمكن لبيروت أن تأمل في تقاسم الإيرادات المتأتية من أي خزان قد يتم اكتشافه، وإن تمتع لبنان وقبرص بعلاقات ودية، لأن نطاق النزاعات القانونية يظل مرتفعًا إلى حد كبير في غياب اتفاق إطاري.

قد تكون الأمور أكثر تعقيدًا على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، حيث احتمالات التفاوض على اتفاقية مشتركة أصعب. فالترتيبات المحتملة بين لبنان وإسرائيل تحجبها حقيقة أن البلدين لا يزالان رسميًا في حالة حرب. وإذا كان التاريخ الحديث يدل على شيء، فهو أن لبنان يرفض بشكل منهجي "مختلف الأفكار الرامية إلى التنقيب عن الخزانات المحتملة على طول الحدود"، "لأنها ترقى إلى اعتراف ضمني بدولة إسرائيل"، كما تقول سكرية. من الصعب تصور سيناريو يوافق فيه لبنان على آلية تعاون "ما لم يتم طرح صيغة بناءة لا تحرج لبنان في هذا الصدد".

إن التوصل إلى تفاهم نهائي بشأن الحدود البحرية يتم التوقيع والمصادقة عليه هو خطوة مطلوبة ولا مفر منها مع كل من قبرص وإسرائيل. لكن في غياب اتفاقيات توحيد الأطر، فإن هكذا تفاهم لن يرقى إلى مستوى أي تداعيات ملموسة على قطاع النفط والغاز اللبناني.

أضف تعليق